ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/١٢/١٨ السیرة الذاتیة کتب مقالات الصور دروس محاضرات أسئلة أخبار التواصل معنا
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ دليل الكتاب
■ تقديم
■ المقدمة
■ القسم الأول: جواز التدوين منذ عهد الرسالة , وأدلة المبيحين
■ تمهيد :ما هو الأصل في حكم التدوين ?
■ الفصل الأو ? : عرف العقلاء والتدوين
■ الكتابة أمر حضاري
■ الكتابة في القرآن
■ الكتابة في السنة ? الأثر
■ القرآن والكتابة
■ السنة والكتابة
■ الفصل الثاني : السنة النبوي ? والتدوين
■ السنة التقريرية
■ السنة الفعلية
■ صحيفة النبي صلى الله عليه وآله التي كانت عند علي عليه السلام
■ كتاب علي عليه السلام
■ كتاب فاطمة عليها السلام
■ ما كتبه النبي صلى الله عليه وآله إلى عماله
■ وأخيرا
■ السنة القولية
■ ما ورد بلفظ الأمر بالكتابة والتقييد
■ ما فيه الإذ ? بالكتابة والتقييد
■ ما ورد فيه لفظ الكتابة وتصاريفها
■ ما ذكر فيه شيء من أدوات الكتابة
■ تعليق على الفصل الثاني
■ الفصل الثالث : إجماع أهل البيت عليهم السلام على التدوين.
■ حجية إجماع أهل البيت عليهم السلام
■ ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
■ في مجال التصنيف
■ كتاب في علوم القرآن
■ كتاب السنن والأحكام
■ عهد الأشتر
■ التعليقة النحوية
■ في مجال الروايات والآثار
■ ما ورد عن الإمام الحسن السبط عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام الحسين السبط عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
■ في الأقوال
■ في المؤلفات
■ ما ورد عن الشهيد زيد عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
■ في الأحاديث
■ في المؤلفات
■ ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام
■ ما ورد عن الإمام المهدي الحج ? المنتظر عليه السلام
■ تعليق على الفصل الثالث
■ الفصل الرابع : سيرة المسلمين على التدوين
■ تمهيد
■ العهد الأو ل : عهد الصحابة
■ العهد الثاني عهد التابعين
■ خاتمة القسم الأول : خلاصة واستنتاج
■ القسم الثاني : مع المانعين للتدوين وتوجيهاتهم للمنع
■ تمهيد : متى بدأ منع التدوين
■ الفصل الأو ? : المنع الشرعي عن كتابة الحديث
■ أحاديث أبي سعيد الخدري
■ أحاديث أبي هريرة
■ أحاديث زيد بن ثابت
■ المناقشات العامة في الأحاديث المرفوعة الناهية
■ الجمع بين أحاديث الإباحة والمنع
■ أن النهي عام والإذن خاص
■ أن الإذن ناسخ للنهي
■ أن النهي خاص والإذن عام
■ رأينا في الجمع
■ الفصل الثاني : الخوف من اختلاط الحديث بالقرآن:
■ المناقشات في هذا:أن نسبة الخوف من ذلك إلى الشارع غير مقبولة
■ لماذا كتب القرآن مع أنه معجزه
■ بقية المناقشات في هذا التبرير
■ الفصل الثالث : التخوف من ترك القرآن والاشتغال بغيره
■ المناقشة في هذا التبرير
■ الاشتغال بالحديث ليس مؤديا إلى ترك القرآن
■ ليس الصحابة متهمين بترك القرآن
■ المؤدي إلى ترك القرآن هو المناقض له
■ أحاديث التهو ? الذي حذر عنه الرسول
■ السنة الشريفة لا تعارض القرآن بل هي امتداد له
■ الفصل بين السنة والقرآن ضلال
■ الأصل في الحكم بضلال الفاصل بينها هو الرسول
■ أحاديث الأريكة من دلائل النبو ه
■ معنى الأريكة ? دلالة أحاديثها
■ دفاع الخطابي وتأويله لأحاديث الأريكة
■ دفاع الذهبي وتأويله لأحاديث الأريكة
■ قول حسبنا كتاب الله مأثور عن من؟
■ الدعوة إلى نبذ السنة في نظر القدماء و المعاصرين
■ الفصل الرابع : الاستغناء بالحفظ عن التدوين
■ المناقشات في ذلك
■ ١ - أن ذلك لا يدل على حرمة الكتابة
■ ٢ - أن الحفظ ليس من الواجبات فلا يعلق عليه أمر واجب
■ ٣ - الكتابة لا تنافي الحفظ بل تؤيده وتؤكده
■ ٤ - الاعتماد على مجرد الحفظ يؤدي إلى الأوهام
■ بعض المقارنات بين الحفظ ? الكتابة
■ هل الحفظ أعظم فائدة من الكتابة ?
■ الفصل الخامس : عدم معرفة المحدثين للكتابة
■ المناقشة في هذا التبرير
■ ١ - الكتابة أصبحت في الإسلام واسعة الانتشار
■ ٢ - أن ذلك لم يمنع عن الكتابة , كما لم يمنع عن كتابة القرآن
■ ٣ - انهم لم يمتنعوا بل مُنعوا
■ الفرق بين القرآن ? السنة في أمر التدوين
■ الفصل السادس : القول الفصل في سبب المنع
■ المنع لم يكن إلا رأيا للصحابة
■ المصلحة المهمة في نظر المانعين وشروطها
■ رواية ابن مسعود الدالة على المصلحة
■ الأحاديث الممنوعة هي غير أحاديث الفرائض والسنن
■ التدبير السياسي ضد أهل البيت عليهم السلام
■ المصلحة هي إخفاء الأحاديث على فضل أهل البيت
■ لزوم منع رواية الحديث أيضا
■ الملحق الأول : المنع عن رواية الحديث
■ أبو بكر يمنع الحديث رواية ونقلا
■ دفاع الذهبي عن أبي بكر, ورد ?
■ عمر و رواية الحديث
■ ١ - يمنع وفد الكوفة
■ ٢ - يمنع صحابة كبارا
■ ٣ - يمنع عام ? الناس
■ ٤- يهد ? الصحابة على الحديث ? ينهاهم
■ ٥ - يحبس الصحابة كيلا يرووا عن رسول الله
■ توجيهات العام ? لإقدام عمر على المنع وخاصة حبس الصحابة
■ ١ - توجيه الخطيب البغدادي : بالاحتياط للدين
■ ٢ - توجيه ابن حزم بر ? الحديث سندا ودلالة
■ ٣ - توجيه ابن عبد البر
■ ٤ - توجيه ابن عساكر بالتشديد لئلا يتجاسر أحد على رواية ما لم يتحقق
■ ٥ - توجيه ابن قتيبة : بالإقلال لئلا يتسع الناس في الرواية
■ بعض المعاصرين يجعل الإقلال من قوانين الرواية
■ محمد عجاج الخطيب يعارض روايات الحبس
■ الهدف من منع الرواية هو الهدف من منع التدوين
■ منع الحديث سنة للحكام
■ عثمان بمنع رواية الحديث
■ معاوية يمنع الحديث
■ رسالة معاوية إلى عم اله بمنع الحديث ووضعه
■ المسموح من الحديث في عهد معاوية هو المسموح في عهد عمر, ? الممنوع فيهما واحد
■ التوجيه المقبول للمنع
■ الملحق الثاني : آثار منع التدوين
■ ١ - اختفاء جملة من الحديث
■ نوعية الحديث الذي اختفى
■ ٢ - وضع الحديث
■ إهمال أثر المنع في أسباب الوضع عند المعاصرين
■ نوعية الحديث الموضوع
■ من هم الوضاعون
■ ٣ – اختلاف الحديث والتشكيك فيه
■ الاختلاف المذكور لا يؤدي إلى سقوط الحديث عن الحجية
■ نقل الحديث بالمعنى
■ نقل الحديث بالمعنى ليس مضر
■ محمود أبو رية يضل ? في هذا المجال
■ البلاغة لا تنكر في كلام الرسول
■ نقل الحديث بالمعنى وشروطه عند المحدثين
■ عدم التدوين ? حجية الحديث
■ بقية الردود على أبي رية
■ اختلاف الحديث بنظر الشيعة الامامية
■ من جعل الاختلاف سببا لعدم التدوين
■ ٤ - اتهام الدين الإسلامي بالتخلف
■ الرد عليه
■ ٥ - ? ? عاد أهل البيت عليهم السلام عن الساحة وابتعاد الناس عن أهل البيت عليهم السلام
■ هذا من أسوأ آثار منع الحديث تدوينا ورواية
■ إن هذا هو التدبير السياسي المنشود من المنع
■ نماذج من الروايات المضر ? للسلطات
■ ٦- ابعاد المسلمين عن أهل البيت عليهم السلام
■ التعدي على أهل البيت إلى حد القتل والسبي
■ ترك أهل البيت عليهم السلام في مجال الأحكام والالتزام بغيرهم , وهذا من أخطر الآثار والأضرار المترتبة على منع الحديث
■ اتهامهم لشيعة أهل البيت ورواة أحاديث الممنوعة
■ موقف المسلمين اليوم من أهل البيت وفضائلهم
■ صفات أتباع أهل البيت عليهم السلام والتزاماتهم
■ خاتمة القسم الثاني : خلاصة واستنتاج
■ تلخيص القسم الثاني
■ موقفنا من مسألة التدوين
■ موقف أمير المؤمنين عليه السلام
■ موقف أبي ذر
■ موقف أبن عباس
■ موقف علقمه
■ حصيلة الكتاب
■ الفهارس العامة
  1. الوهابيّون والبيوت المرفوعة للشيخ محمّد عليّ السنقريّ الحائريّ
  2. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار
  3. الوسيلة العذراء للشاعر عبد الحسين شكر (ت هجري.)
  4. همزيّة التميميّ صالح بن درويش الكاظمي (ت 1261هجري.)
  5. النكت في مقدمات الاصول، في تعريف المصطلحات الكلامية
  6. نثر اللآليْ للطبرسيّ (ت 548 هجري.)
  7. مقدّمتان توثيقيتان للسيد المرعشيّ والسيد المشكاة
  8. مسند الحِبَريّ
  9. مختصر رسالة في أحوال الأخبار
  10. الكلمات المائة للجاحظ (ت 250 هجري. )
  11. فصل الخطاب في ردّ محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ
  12. عروض البلاء على الأولياء
  13. عجالة المعرفة في اُصول الدين
  14. شفاء السقام بزيارة خير الأنام عليه السلام
  15. الرعاية في شرح البداية في علم الدراية
  16. الدرة الفاخرة في دراية الحديث
  17. الرسالة الرحمانيّة حول كتابة كلمة (الرحمن)
  18. رسالة الحقوق
  19. رسالة ابي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين
  20. الرجال لابن الغضائري
  21. دفع الشبه عن الرسول والرسالة
  22. الخلاصة في علم الكلام
  23. خاتمة وسائل الشيعة
  24. الحكايات، في الفرق بين المعتزلة والشيعة
  25. الحقوق لمولانا زيد الشهيد عليه السلام
  26. تفسير الحِبَري أو ما نزل من القرآن في علي أمير المؤمنين عليه السلام تفسير بالحديث المأثور
  27. تسمية من قُتِل مع الحسين عليه السلام من ولده واخوته وشيعته
  28. تثبيت الإمامة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
  29. تاريخ أهل البيت عليهم السلام
  30. البداية في علم الدراية
  31. الباقيات الصالحات في أصول الدين الإسلامي عاى المذهب الإمامي
  32. إنجاح المطالب في الفوز بالمآرب
  33. الإمامة والتبصرة من الحَيْرة
  34. أسماء السور القرآنيّة، في مقطوعتين رائعتين في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله
  35. الأُرجوزة اللطيفة في علوم البلاغة
  36. الأحاديث المقلوبة و جواباتها
  37. الإجازة الشاملة للسيّدة الفاضلة من الشيخ أبي المجد الأصفهاني للعلويّة الأمينيّة الهاشميّة
  38. آداب المتعلّمين
  39. نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد
  40. نظرات في تراث الشيخ المفيد
  41. المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجرديّ 1292 ـ 1380هجري)
  42. المنتقى النفيس من درر القواميس
  43. معجم أحاديث البسملة
  44. الموت أياتهاجاديثه احكامه
  45. القافية والرويّ في الشعر العربيّ
  46. ديوان الإجازات المنظومة
  47. دفاع عن القرآن الكريم
  48. حول نهضة الحسين عليه السلام
  49. الحسين عليه السلام سماته وسيرته
  50. جهاد الإمام السجّاد علي بن الحسين عليه السلام
  51. ثبت الأسانيد العوالي بطرق محمد رضا الحسيني الجلالي
  52. تدوين السنة الشريفة
  53. تحقيق النصوص يبن صعوبة المهمة وخطورة الهفوات، في النقد العلمي
  54. إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان الميزان)
  55. أنا ـ ترجمة ذاتية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام طبقاً للنصوص الموثوقة
  56. الأجوبة السديدة على أسئلة السيّدة الرشيدة
  57. الأجوبة الجلالية على الاسئلة الحلوانية
  58. أبو الحسن العُريضي، علي بن جعفر الصادق عليه السلام ترجمة حياته، ونشاطه العلميّ

الفرق بين القرآن ? السنة في أمر التدوين

الفرق بين القرآن والسنة في أمر التدوين :

ولقد حاول بعضهم التفريق بين القرآن والسنة في حكم التدوين , فطرح ذلك بشكل سؤالٍ عن الحكمة في أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بكتابة القرآن , مع أنه لم يأمر بكتابة السنة ? !

وأجاب الشيخ عبد الغني عبد الخالق بقوله : الحكمة في أمره بكتابة القرآن هي : بيان ترتيب الآيات , ووضع بعضها بجانب بعض, فإنّه – بالاتفاق بين العلماء - توقيفيّ نزل به جبريل في آخر زمنه صلّى الله عليه وآله وسلّم .

وبيان ترتيب السور , فإنه - أيضاً - توقيفيّ على الراجح .

وزيادة التأكيد , فإنّا لا ننكر أنّ الكتابة طريق من طرق الإثبات , وهي - وإن كانت أضعف من السماع , فضلاً عن التواتر اللفظي - إذا انضمت إلى ما هو أقوى منها في الإثبات , زادته قوّةً على قوّةٍ .

وإنما احتيج إلى زيادة التأكيد في القرآن لكونه كتاب الله تعالى , وأعظم معجزة لسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ,المبعوث إلى الخلق كافّةً ,وإلى يوم القيامة .

ولكونه المعجزة الباقية من بين سائر معجزاته إلى يوم الدين , لتكون للمتأخّرين دليلاً ساطعاً على نبوّته , وبرهاناً قاطعاً على رسالته .

ولكونه أساس الشريعة الإسلاميّة , وإليه ترجع سائر الأدلّة الشرعية في ثبوت اعتبارها في نظر الشارع , وثبتت به جميع العقائد الدينية التي لا بدّ منها , وأمهات الأحكام الشرعية .

=====================?396

ويترتّب على ضياعه ضياع هذه الأمور كلها , وتقويض الشريعة جميعها .

ولكونه قد تعبّدنا الله بتلاوة لفظه في الصلاة وغيرها , ولم يجز لنا أن نبدّل حرفاً منه بحرف آخر .

فلكون القرآن مشتملاً على هذه الأمور الجليلة العظيمة الخطر , اهتمّ الشارع بأمره أعظم اهتمام , وأحاطه بعنايته أجل إحاطة , فأثبته للناس إلى يوم الدين بجميع الطرق الممكنة التي يتأتّى بها الإثبات , للمحافظة على لفظه ونظمه , ليتأكّد عند الناس ثبوته تمام التأكيد .

كما أنه قد حافظ على معناه بالسنة المبيّنة له , الدافعة لعبث العابثين به .

ولما لم تكن السنة بهذه المثابة :

فلا ترتيب بين الأحاديث بعضها مع بعض , وليست بمعجزةٍ , ولم يتعبّدنا الله بتلاوة لفظها , وأجاز لنا أنْ نغيّره ما دامت المحافظة على المعنى متحقّقة , حيث أنّ المقصود من السنّة بيان الكتاب وشرح الأحكام , وهذا المقصود يكفي فيه فهم المعنى والتأكّد منه سواء كان بنفس اللفظ الصادر عن رسول الله أم بغيره .

هذا كله , مع ملاحظة الفرق الشاسع بين حجم القرآن وحجم السنة التي من وظيفتها الشرح والبيان له , وعادة الشرح أنْ يكون أكبر حجماً من المشروح .

وما كان صغير الحجم أمكن - في العادة - نقله بجميع الطرق بخلاف كبيره , فإنّ من المتعذّر تحصيل جميع الطرق فيه , خصوصاً من أمةٍ أمّيةٍ كالعرب !

======================?397

وخصوصاً إذا لاحظنا أنّ السنة قول أو فعل أو تقرير منه صلّى الله عليه وآله وسلّم , وليس من اللازم - بل - ولا من الممكن أنْ يجتمع معه صلّى الله عليه وآله وسلّم في كلّ أحواله جمعٌ من الصحابة يمكنهم الكتابة , ويؤمن تواطؤهم على الكذب , فيؤدّون كلّ ما يسمعون ويشاهدون إلى من بعدهم أو من غاب عنهم بجميع الطرق من تواتر لفظي وكتابة , بل قد يصدر قوله أو فعله أمام صحابي واحدٍ أمّيٍ , ? لا يتكرّر ذلك منه في ما بعده .

بخلاف القرآن :

فإنّ الآية منه أو السورة , كان يقرؤها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أمام أقوام مختلفة منهم الكاتبون , ومنهم الأميّون , ويتكرّر ذلك منه في أزمنة وأمكنة مختلفة بعبارة واحدةٍ لا تغيير فيها ولا تبديل , فمن ذلك كلّه يتأتّى وجود جميع طرق النقل فيه (1).

أقول : لا بدّ من تحديد موضع البحث , فنحن هنا نبحث عن سبب المنع عن تدوين الحديث , ? عن خصوص النهي الشرعيّ عنه حسب دعوى المانعين , وكما فرضه الشيخ محمود شلتوت(2).

الهامش:

(1) حجية السنة ( ? 422 - 423 ) .

(2) الإسلام عقيدة وشريعة ( ? 498 ) .

====================?398

وليس البحث عن الحكمة في مجرّد عدم أمر الشارع بكتابة الحديث , في الوقت الذي أمر بكتابة القرآن , حتى يصحّ السؤال بالصورة التي طرحها الدكتور الشيخ .

فلو قيل بذلك , وسئل عن الحكمة في أمره بكتابة القرآن وعدم أمره بكتابة السنة ? أمكن التفريق بينهما بكون القرآن أهمّ من الحديث .

لكنّ السؤال الأساسي هو عن الحكمة في الأمر بكتابة القرآن , في حين النهي عن كتابة السنة - حسب الدعوى – ?

فإ نّ الجمع بين النهي عن الكتابة لشيء والأمر بكتابة آخر , يقتضي بلا ريب اختلاف الشيئين وتغايرهما في ما يرتبط بكتابتهما , وليس مجرّد الأهمية مؤثّراً في اختلاف حكم كتابتهما إلى حدّ الأمر المقتضي للوجوب ,والنهي المقتضي للحرمة ! فإن كتابة الأهم إذا كانت واجبة , فكتابة المهمّ أيضا واجبة , ولا تكون محرمة !?.

وعلى هذا لا بدّ من صياغة السؤال بصورة صحيحة ,وهي : لماذا أمر الشارع بكتابة القرآن , ونهى عن كتابة السنة وحرّمها ?

مع أنّ القرآن إذا كان نصّاً مقدّساً , فالسنة أيضاً مقدّسةٌ لأنها بيانٌ للقرآن باعتراف جميع المسلمين ? !

وحينئذ , نجد أنّ ما ذكره الشيخ عبد الغني من الفوارق , لا يوجب شيءٌ منها التفريق بين القرآن والسنة في الحكم الشرعيّ للتدوين .

فإنه جعل الحكمة بيان ترتيب الآيات , وأنه توقيفيّ , بخلاف السنة فلا ترتيب فيها .

وفيه : إنّ بيان ترتيب الآيات إذا كان يستدعي الأمر بالكتابة ,فإنّ عدم الترتيب لا يستدعي حرمة الكتابة .

====================?399

مع أنّ أصل القرآن إذا أمكن المحافظة عليه بالحفظ والاستذكار ,كانت المحافظة على ترتيبه حاصلةً , لان من يحفظ نصّاً معيّناً فلا بدّ أنه يحفظه على ترتيبه الخاصّ والمطلوب !

هذا مع أنّ الشيخ عبد الغني قد أكّد بأنّ أصل القرآن مدعوم بالتواتر اللفظي , ولم يعتمد على النقل الكتبي (1).

فالمحافظة على ترتيبه تتمّ بالحفظ في الذاكرة ولا تستوجب خصوص الكتابة .

وكذلك عدم ترتيب الأحاديث لا يستدعى حرمة كتابتها , بل , على العكس , قد يقال بلزوم كتابتها , لصعوبة ضبطها في الحافظة على أثر تشعثها ? ! بخلاف المرتّب فإنه يحفظ بسهولة .

وكذلك كون القرآن معجزةً , بل هو أكبر معاجز النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم , وأعظمها , وأبقاها , وأخلدها , بشكلٍ أوضح من السنة !

فإنّ إعجاز القرآن ليس بوجوده الكتبي , وإنما هو بوجوده اللفظي , ومدلوله المعنوي , ونظمه المتناسق مع الأمرين .

ومن الغريب أنّ المدّعي يقول بأنّ القطع بالقرآن إنما حصل بالتواتر اللفظي دون النسخ الموجودة (2).

ومع هذا فإن السنة أيضاً لا تخلو عن الإعجاز بالنظر إلى مجموعها .

الهامش:

(1) حجية السنة ( ? 408 ) .

(2) حجية السنة ( ? 407 ) .

======================?400

وكذلك كون القرآن أساساً للشريعة الإسلامية , وإليه ترجع سائر الأدلّة .

فإنّ هذا لا يستدعي وجوب كتابته , إذا كان محفوظاّ في الصدور كما لا تستدعي أهمية السنة وسائر الأدلّة وجوب أن تكتب حسب دعواهم .

ثمّ إنّ بناء الشريعة على السنّة ليس بأقلّ أهميّة من بنائها على القرآن , فالسنة هي المبيّنة له والشارحة لمراده , وتحتوي على تفصيل الشريعة ممّا أجمل فيه , حتى قيل :إنّ القرآن أحوج إلى السنة , منها إليه (1).

فلو كانت المحافظة على الشريعة من خلال القرآن داعية إلى كتابته , فهي بنفس الملاك تستدعي كتابة السنة لاحتوائها على أكثر الشريعة .

فكيف ينهى عن كتابتها وتدوينها ? !

وأمّا التعبّد بلفظ القرآن في التلاوة , دون لفظ السنة :

فإن ذلك أدعى إلى إيجاب حفظه , وتلقيه بالسماع والقراءة بالمشافهة , وأبعد من استلزام كتابته المعرّضة للتصحيف ! فمن الغريب أن تجعل التلاوة من دواعي الكتابة !

وأمّا التفرقة بين كتابة القرآن وكتابة السنة في الحكم : باعتبار حجم كلٍّ منهما , وأنّ القرآن صغير فكتابته لازمة , والسنة كبيرة الحجم فلا تكتب !

الهامش:

(1) قد أوردنا طرفا مما دل على هذا المعنى في الفصل الثالث من هذا القسم الثاني ( ? 347 ) .

=====================?401

فهي غريبة جدّاً , لأنّ النصّ الصغير يكون حفظه أسهل وضبطه في الحافظة أسرع , فلا يكون صغر حجمه أدعى إلى كتابته ,بل أدعى غلى حفظه , بخلاف النص الكبير , فبما أنّ حفظه على الخاطر أصعب تكون كتابته أسهل وألزم .

ولو احتاج الصغير إلى الضبط بالكتابة والتدوين , فالكبير هو الأحوج إلى ذلك بالأولوية القطعية ? !

ولا ينقضي عجبي من قول الشيخ الدكتور : خصوصاً من أمّة أمّيّة كالعرب ,كيف يريد أنْ يستبعد بذلك أمركتابة السنة , بينما هو يؤكّد أمر هذه الأمة – نفسها –بكتابة القرآن ? ! ? فهل كتابة القرآن لا تنافي أميّة العرب ? أو أنّ من يستطيع أنْ يكتب القرآن في حجمه , يصعب عليه أنْ يخلّد كتباً في السنة بمثل حجم القرآن ومقدار آياته ?

وأمّا أنّ السنّة قول وفعل وتقرير , فتكون واسعة الأطراف ليس بإمكان أحد حصرها كلها وضبطها وتقييدها , بخلاف القرآن , فإنه محدود , والرسول يكرّره في الأمكنة والأزمنة .

فنقول : إنّ سعة أطراف السنة أدعى للزوم ضبطها بالكتابة , دون الاعتماد على حفظها , لأنها حينئذ معرّضة لآفات الذاكرة , وموت الحافظين , بخلاف الكتب فإنها أخلد ? المفروض أن يقوم كل راوٍ بتسجيل ما رواه أو رآه , حتى تجتمع السنة كلها في مجموع الكتب كما هو الحال الآن .

بخلاف ما كان صغير الحجم ومكرّر الذكر , فإنّ حفظه على الخواطر أيسر لصغره وتكرره , فتكون الحاجة إلى كتابته أقلّ , بخلاف السنة , فهي أولى بالتسجيل لئلاّ تتلف أو تفلت , وأصدق شاهد على ذلك لجوء الأمة إلى تدوينها , ولو بعد حين !

=====================?402

وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا أنّ الشيخ عبد الغني لم يقدّم ما يصلح للتفرقة بين القرآن والسنة ,في حكم الكتابة .

فالحقّ أنه لا وجه للمنع عن كتابة السنة على أساس عدم معرفة العرب للكتابة أو قلّة الكتّاب فيهم , بل الإسلام - دين المدنية - أكّد على الكتابة ومحو الأميّة بكلّ ما لديه من قوّة وحول وطول , فبدأ بأعزّ نصوصه وهو القرآن الكريم ,ثمّ أتبعه بالسنة , فحثّعلى كتابتهما بأوسع نطاق , فسجلهما الصحابة بأمره وإرادته , ولم يألوا بعده جهداً في كتابتهما , لتبقى السنة إلى جنب القرآن , أداةً ربّانيّةً لهداية البشر , إلى يوم الحشر .

وقد حاول المعلمي - أيضاً - التفريق بين السنة والقرآن في حكم الكتابة , فقال : إنّ القرآن كان يحفظ بطريقين : الأولى : حفظ الصدور, والثانية : بالكتابة … . فأما السنة فمخالفة لذلك في أمور :

الأوّل : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يّعْنَ بكتابتها , بل اكتفى بحفظهم في صدورهم , وتبليغهم منها , أي بنحو الطريق الأوّل في القرآن .

الثاني : أنها كانت منتشرةً لا يمكن جمعها كلّها بيقين .

الثالث : أنه لم يتّفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن إذ استحرّ القتل بحفّاظه من الصحابة قبل أنْ يتلقّاه التابعون , فإنّ الصحابة كانوا كثيراً , ولم يتفق أن استحرّ القتل بحفّاظ السنة منهم قبل تلقّي التابعين .

الرابع : إنهم إذا همّوا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن : هو والله خيرٌ ,أي خيرٌ محض , لا يترتب عليه محذورٌ .

======================?403

كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها , وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سبباً لردّ من بعد هم ما فاتهم منها .

وخشوا - أيضاً - من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدعوا القرآن .

فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية , ويكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به (1).

أقول : في هذا الكلام مواقع للبحث :

الأوّل : قوله: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعن بكتابتها !.

فهذا على إطلاقه باطل , حيث أنّ أحاديث الإذن , بل الأمر بالكتابة , وإملائه صلّى الله عليه وآله وسلّم الحديث على الصحابة , مشهورةٌ , بل متواترةٌ معنىً لدلالتها على الإذن بكتابة الحديث , كما مرّ مفصّلاً .

ثمّ إنّ البحث ليس في مجرّد عدم كتابة الحديث , بل في سبب النهي عنها ومنعها ? !

الثاني : قوله :بل اكتفى بحفظهم … .

إن نسبته هذا الفعل إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم , غير جائزة , حيث لم يردْ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ما يدلّ على أنه أراد أو أمر بأن تكون السنة - مطلقاً - محفوظةً في الصدور فقط , وانحصار طريق المحافظة عليها بذلك وحد ? .

الهامش:

(1) الأنوار الكاشفة ( ? 45 ) .

========================?404

نعم , ورد حديث : من حفظ على أمتي أربعين حديثاً …, لكنه مع انحصاره برقم الأربعين, قد اختلف الأعلام في المراد بالحفظ المذكور فيه : هل يختصّ بحفظ الصدر ,أو يراد به المحافظة التي منها الكتابة أيضاً , والأكثر على الثاني , ولجأوا إلى تأليف (الأربعينات الحديثية ) لذلك.

الثالث : قوله : إنها كانت منتشرةً لا يمكن جمعها كلها … .

فيه : أنّ انتشار السنة لا يؤدّي إلى الالتزام بعدم كتابتها رأساً , بل المفروض أن كلّ واحد من الصحابة يكتب , أو يملي على من يكتب, الحديث الذي رواه وسمعه وتحمّله , محافظة عليه , وكلّ مكلفٌ بما عنده وبما بلغه , وبتضافر الجهود كانت السنة تجمع كلها أو جلّها , كما حصل للمتأخرين منهم في عصر تأليف كتب السنة , فإنّ أحداً منهم لم يحاول - ولم يدّع - أنه جمع السنة كلّها في كتاب واحد ?!

ثمّ هل ترك كتابتها أدى إلى حفظها ?

مع أن ذلك الذي فاله لا يقتضي منع كتابة الحديث والنهي عنها إلى حدّ الحبس والتهديد والإحراق للكتب !

وقد أشرنا في جواب الدكتور عبد الغني إلى طرف من هذا .

الرابع : قوله : لم يتّفق لها في عهد الصحابة ما اتّفق للقرآن إذ استحرّ القتل بحفّاظه من الصحابة … ولم يتّفق أن استحرّ القتل بحفّاظ السنة منهم قبل تلقّي التابعين !.

===================?405

إنّ هذا الكلام مما يضحك الثكلى !

فبعد التغاضي عن أن السؤال : عن وجه أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بكتابة القرآن ,مع نهيه – حسب الادعاء - عن كتابة السنّة في عصره؟!

وكلامه إنّما يدور على ما بعد ?.

نقول بعد هذا : إنّه يفرض في الصحابة حفّاظاً للقرآن , ويفرض فيهم حفّاظاً للسنة, ويجعل القتل يستحرّ بالأوّلين , دون الآخرين , يقول : إنّ التابعين تلقّوا من حفّاظ السنّة , دون حفّاظ القرآن .

وهذه كلها دعاوٍ فارغةٍ , لا تصحُ :

فمن أين جاء بهذه التقسيم بين الصحابة , هل كانت هناك معاهد متخصّصة بالقرآن , وأخرى بالسنة , تخرّج جمعٌ من الصحابة من هذا المعهد , وجمع من ذاك ! ?

وهل كان الجهاد الذي اشترك فيه الصحابة ,واجباً على حفّاظ القرآن فقط , دون حفّاظ السنّة ?

وهل كان التابعون يتعمّدون عدم تلقّي القرآن من حفّاظه , ويقصدون التلقّي من حفّاظ السنّة فقط ? !

ثمّ إنّ الآفات المهدّدة للسنّة لم تنحصر بالقتل , بل كان الموت الحقّ لحامليه بالمرصاد (1) وآفات الذاكرة(2) .

أضف إلى ذلك عمليّات الإبادة من الدفن والإحراق والإماثة في الماء , التي تعرّضت له كميّات كبيرة من السنة .

الهامش:

(1) انظر الحديث والمحدّثون لأبي زهو ( ? 127 ) حيث يقول : ومرور هذا الزمن الطويل ( يعني القرن الأوّل ) كفيل بأن يذهب بكثير من حملة الحديث من الصحابة والتابعين .

(2) فهذا أنس بن مالك - خادم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم - سئل عن البسملة في قراءة الصلاة , فأجاب :قد كبرت ونسيت ! مع أن هذا داخل في الصلاة التي لا تترك بحال ! ويؤدّيها المسلم خمس مراتٍ يوميّاً على أقل تقدير !

وأنس قد توفّي سنة 92 هـ فلاحظ ,وقد مرّنسيان زيد بن أرقم للحديث في (?377).

=================?406

ألم يكن كلّ ذلك اتفاقاً لحفّاظ السنّة , يدعو إلى المحافظة على السنة بالكتابة والتقييد؟! مثل ما حصل للقرآن إذ استحرّ بحفّاظه القتل ?!

بل الحقيقة أنّ كلّ ما هدّد القرآن الذي حمله الصحابة , كان يهدّد السنة التي كانوا يحملونها أيضاً .

لكنّ الذين اهتمّوا بالقرآن , فجمعوه , ولم يأبهوا بالسنة بل منعوها , هم الذين حملوا شعار الفصل بين القرآن والسنة فأعلنوا مقولة : حسبنا كتاب الله !

وسيأتي الكلام عنهم وعن مقولتهم مفصّلاً , إن شاء الله .

الخامس : قوله :رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في القرآن ? هو والله خيرٌ .

عجباً لهذا الكاتب ! كيف يكتب مثل هذا في كتابه مدّعياً انتصاره للسنة , وكيف يصحّ أن ينفي عن السنة أن تكون خيراً محضاً , أليس خيرُ الهدى هدي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ?

وأما الخشية من ردّ من بعدهم .

فهذا لم يذكره أحد من الممتنعين عن تدوين الحديث ولا المانعين , وإنما هو من نسج خيال هذا الكاتب ومن أخذ منه .

فهو باطل محضٌ , فإذا ثبت الحديث للصحابي الذي تلقّاه من الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم , فعليه تبليغه , سواء ردّه غيره , أم لا ?

====================?407

ولا يمنعه ردّ غيره فضلاً عن خشية ردّه ! والتبليغ يتمّ بأداء لفظه وكتابة نصه .

وإذا كانت هذه الخشية مانعة عن تبليغها بالكتابة , فلماذا لم تكن مانعةً عن تبليغ السنة بالنقل الشفوي والرواية !

السادس : قوله : وخشوا - أيضاً - … أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدعوا القرآن .

وهذه الدعوى هي التي تعرّضنا لردّها بتفصيلٍ في الفصل الثالث من هذا القسم , فراجع .

ثمّ إنّ هذا الكلام إنما يتمّ لو كان القرآن مكتوباً متداولاً بشكل مصاحف , شائعاً تلاوته منها , بحيث يكون كتاب الحديث على تلك الدعوى مؤدّياً لأن يدع الناس القرآن , ويشتغلوا بكتاب الحديث .

لكن من يرى أنّ القرآن لم يجمع - وإن كان مكتوباً متفرّقاً - ولم يعتمد المسلمون في العهد الأوّل إلاّ على نصّه المحفوظ في الصدور , بوجوده اللفظي , وأنّه هكذا تواتر , لا بوجوده الكتبي (1).

إنّ هؤلاء ليس لهم أن يتمسّكوا بهذه الدعوى لمنع كتابة الحديث , حيث إن الحديث على فرض كتابته لا يمكن أن يزاحم القرآن المستقرّ في الصدور والقلوب , وهو واضح .

الهامش:

(1) لاحظ حجية السنة لعبد الغني عبد الخالق ( ? 407 - ) وفتح الباري لابن حجر (1/114) والنشر في القراءات للجزري (1/6) .

=================?408

والكاتب - المعلمي - هو من هؤلاء , حيث يقول في كتابه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يكتب مصحفاً , وإن أبا بكر وعمر وعثمان - مدّة من ولايته - لم يكتبوا إلاً مصحفاً واحداً بقي عندهم ,لا يكاد يصل إليه أحدٌ (1).

وإذا كان هذا موقف الأمراء من كتابة القرآن , فما حال سائر الناس ? !

وإذا كانت نسخ القرآن بهذه القلّة وكان القرآن محفوظاً في الصدور , فكيف يكون كتاب الحديث مؤدّياً إلى الاشتغال عن القرآن ?

مضافاً إلى ما ذكرنا في الفصل السابق من أن الحديث ليس معارضاً للقرآن حتى يكون الاشتغال به شاغلاً عن القرآن ? .

وقبل هذا وبعده ,فيكفي للردّ على المعلمي وعبد الغني ومن لفّ لفّهما :قول الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر :لقد كان استيعاب الأحاديث سهلاً – لو أراد الله تعالى ذلك ! –بأن يجمع الأوّل منهم ما وصل إليه ,ثمّ يذكر من بعده ما اطّلع عليه ممّا فاته في حديث مستقلٍّ أو زيادة في الأحاديث التي ذكرها ؟؟؟ وكذا من بعده ,فلا يمضي كثير من الزمان إلاّ وقد استُوعبتْ وصارتْ كالمصنّف الواحد , ولعمري لقد كان هذا في غاية الحسن .

أقول : ما أكمل هذا الكلام ! لو لم يضع لائمة تركه على مقام قدس إرادة الله تعالى عن ذلك ,بل يلوم المانعين عن تدوين الصحابة الكرام لحديث الرسول كله كما صنع المتأخرون ما يقرب من ذلك ,حسب تعبير السيوطي (2).

فعلى أولئك المانعين تقع مسؤوليّة عدم تحقّق ذلك الأمر العظيم بصورة كاملة وعلنيّة !? وضياع كثير من الشواهد والمتابعات على القضايا والأحكام ؟؟

لكنّ الله الذي وعد بحفظ هذا الدين ونصره وأراد له الخلود والمجد, قيّض لحفظ السنة أعلاماً من المعارضين للمنع , والمنافحين عن الحديث الشريف والسنّة الشريفة , بكل ما أوتوا من حول وقوّة , فقاموا بما يجب من أمر تدوينه وكتابته كتسجيله وضبطه وتخليده في الكتب والمدوّنات ,بإشراف الرسول الطاهر نفسه صلّى الله عليه وآله وسلّم في عصره الأزهر ,? من بعده بريادة عليّ أمير المؤمنين وأولاده الأطهار عليهم السلام , ثمّ شيعتهم الأبرار , حتّى بقي عندهم بنصّه ولفظه ,مضبوطاً لا ريب فيه ولا خلل يعتريه , والحمد لله ربّ العالمين على هذه النعمة

الهامش:

(1) الأنوار الكاشفة ( ? 48 ) .

(2) تدريب الراوي (48) .

======================?409