ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/١٢/١٨ السیرة الذاتیة کتب مقالات الصور دروس محاضرات أسئلة أخبار التواصل معنا
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ المقدّمة
■ الفصل الأوّل: بين القرآن والسنّة
■ أهل القرآن، وأهل السنّة:
■ مَنْ هم القُرآنيّون؟
■ ثمّ من هُم القرآنيّون بعد ذلك؟
■ وأمّا القرآنيّون في العصر الحاضر:
■ ثمّ تابعه الآخرون:
■ وأمّا أهل السنّة:
■ ما هو القرآن؟
■ إنّه النصّ الموجود منذ عصر النبي٦:
■ والقرآن الموجود:
■ أهل البيت وشيعتهم يكرّمون القرآن:
■ علماء مذهب أهل البيت يصرّحون:
■ موقف أهل الحديث؟
■ الشيعة يعتمدون هذا القرآن:
■ الفصل الثاني: الصحابة والقرآن
■ الصحابة حملةُ القرآن:
■ مصاحف الصحابة:
■ مصحف اُبيّ بن كعب:
■ مصحف عبد الله بن مسعود :
■ مصحف عائشة:
■ مصحف عمر بن الخطّاب:
■ موافقات عمر:
■ مصحف علي(عليه السلام):
■ الفصل الثالث: ميّزات النصّ القرآنيّ
■ بلاغة القرآن:
■ أحكام القرآن:
■ قطعيّة القرآن:
■ بين الرواية والدراية:
■ إعجاز القرآن:
■ أمّا تأثير هذه الأحاديث على الإعجاز:
■ أمّا تأثيرُ الزيادة:
■ ١ ـ زيادة الواو والألف:
■ ٢ ـ زيادة (وما خلق):
■ ٣ ـ ريادة (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ):
■ ٤ ـ المعوّذتان:
■ ٥ ـ وتركه لكتابة سورة الفاتحة:
■ ٦ ـ وروى السجستانيّ عن ابن مسعود أنّه أسقطَ (ولا يلتَفِتْ منكمْ أحَدٌ)
■ ٧ ـ وقولهم بعدم جزئيّة البسملة (بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ) من السور
■ وأمّا أثرُ النقصان في إعجاز القرآن :
■ مصطلحات وألفاظ:
■ الفصلُ الرابعُ: دفاعٌ عن القرآن
■ شُبهةٌ في مقابل البديهة:
■ تصرّفاتٌ مشبوهةٌ:
■ تشابهٌ غريبٌ في الاتّهامات:
■ علمٌ أو عملٌ؟
■ حروف ونِسَبٌ:
■ سور طويلة محذوفة:
■ سورتان، وسورةٌ؟
■ فما قصّة هذه السور:
■ وأمّا سورة الولاية المفتعلة فنصّها:
■ تأويل أو نسخ تلاوة؟
■ أمّا التأويل :
■ فصل الخطاب أو الفرقان
  1. الوهابيّون والبيوت المرفوعة للشيخ محمّد عليّ السنقريّ الحائريّ
  2. وصول الأخيار إلى أصول الأخبار
  3. الوسيلة العذراء للشاعر عبد الحسين شكر (ت هجري.)
  4. همزيّة التميميّ صالح بن درويش الكاظمي (ت 1261هجري.)
  5. النكت في مقدمات الاصول، في تعريف المصطلحات الكلامية
  6. نثر اللآليْ للطبرسيّ (ت 548 هجري.)
  7. مقدّمتان توثيقيتان للسيد المرعشيّ والسيد المشكاة
  8. مسند الحِبَريّ
  9. مختصر رسالة في أحوال الأخبار
  10. الكلمات المائة للجاحظ (ت 250 هجري. )
  11. فصل الخطاب في ردّ محمّد بن عبد الوهّاب النجديّ
  12. عروض البلاء على الأولياء
  13. عجالة المعرفة في اُصول الدين
  14. شفاء السقام بزيارة خير الأنام عليه السلام
  15. الرعاية في شرح البداية في علم الدراية
  16. الدرة الفاخرة في دراية الحديث
  17. الرسالة الرحمانيّة حول كتابة كلمة (الرحمن)
  18. رسالة الحقوق
  19. رسالة ابي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل أعين
  20. الرجال لابن الغضائري
  21. دفع الشبه عن الرسول والرسالة
  22. الخلاصة في علم الكلام
  23. خاتمة وسائل الشيعة
  24. الحكايات، في الفرق بين المعتزلة والشيعة
  25. الحقوق لمولانا زيد الشهيد عليه السلام
  26. تفسير الحِبَري أو ما نزل من القرآن في علي أمير المؤمنين عليه السلام تفسير بالحديث المأثور
  27. تسمية من قُتِل مع الحسين عليه السلام من ولده واخوته وشيعته
  28. تثبيت الإمامة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام
  29. تاريخ أهل البيت عليهم السلام
  30. البداية في علم الدراية
  31. الباقيات الصالحات في أصول الدين الإسلامي عاى المذهب الإمامي
  32. إنجاح المطالب في الفوز بالمآرب
  33. الإمامة والتبصرة من الحَيْرة
  34. أسماء السور القرآنيّة، في مقطوعتين رائعتين في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله
  35. الأُرجوزة اللطيفة في علوم البلاغة
  36. الأحاديث المقلوبة و جواباتها
  37. الإجازة الشاملة للسيّدة الفاضلة من الشيخ أبي المجد الأصفهاني للعلويّة الأمينيّة الهاشميّة
  38. آداب المتعلّمين
  39. نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد
  40. نظرات في تراث الشيخ المفيد
  41. المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجرديّ 1292 ـ 1380هجري)
  42. المنتقى النفيس من درر القواميس
  43. معجم أحاديث البسملة
  44. الموت أياتهاجاديثه احكامه
  45. القافية والرويّ في الشعر العربيّ
  46. ديوان الإجازات المنظومة
  47. دفاع عن القرآن الكريم
  48. حول نهضة الحسين عليه السلام
  49. الحسين عليه السلام سماته وسيرته
  50. جهاد الإمام السجّاد علي بن الحسين عليه السلام
  51. ثبت الأسانيد العوالي بطرق محمد رضا الحسيني الجلالي
  52. تدوين السنة الشريفة
  53. تحقيق النصوص يبن صعوبة المهمة وخطورة الهفوات، في النقد العلمي
  54. إيقاظُ الوَسْنان بالملاحظات على (فتح المنّان في مقدّمة لسان الميزان)
  55. أنا ـ ترجمة ذاتية للإمام أمير المؤمنين عليه السلام طبقاً للنصوص الموثوقة
  56. الأجوبة السديدة على أسئلة السيّدة الرشيدة
  57. الأجوبة الجلالية على الاسئلة الحلوانية
  58. أبو الحسن العُريضي، علي بن جعفر الصادق عليه السلام ترجمة حياته، ونشاطه العلميّ

أمّا التأويل :

أمّا التأويل :

فإنَّ له أصلاً إسلاميّاً عريقاً، فقد ورد في نصوص ثابتة وجاء القرآنُ به مكرّراً في الآية

(7) من سورة آل عمران، والآية

(53) من سورة الأعراف، وغيرهما، كما ورد مصطلح التأويل في الحديث الشريف بكثرة، مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليٌّ يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله».

(الصفحة90)

وقول الإمام عليّ (عليه السلام) ـ عن ما جمعه في كتابه - : «ولقد جئتُهم بالكتاب مشتملا على التنزيل والتأويل» .

وكما يُلاحظ فإنّ التأويل يذكر مع التنزيل، والمراد بالتنزيل هو نصّه المنزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما بين الدفّتين كتاب الله وكلامه المعجزة الخالدة.

فالمراد بالتأويل ما هو خارج منه لكن يرتبط به، ليؤدّي مراده، ويعرّف مرامه، ويحدّد فرائضه وأحكامه، وهو غير التفسير الذي يعني توضيح معناه وشرح كلماته وجمله، فالأحاديث الشيعيّة الواردة في المقام، تشير إلى ما هو تأويل الآيات المذكورة معها، وتخرّج مراداتها حسب ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، ولذا نجد أنّهم (عليهم السلام)يعنونون للآية بنصّها كما هو مثبتٌ في المصحف الشريف، ثمّ يعقّبون ذلك بالأحاديث الدالّة على التأويل، كما هو شأن المفسّرين، حيث يذكرون الآية في العنوان ثمّ يذكرون من كلامهم ما هو تفسير لها، وهذا المنهج منطبقٌ على جميع ما ورد في التفاسير القديمة، وكتب الأخبار كتفسير القمّي والكافي للكليني وغيرهما.

لكن الظاهريّة من عامّة السلفيّة، الذين لا يتأمّلون شيئاً من أساليب التأليف ولا مناهج المؤلّفين، وبالأخصّ الوهابيّين اُولئك الذين يعملون بسوء ظنٍّ بالشيعة، وبالحقد الدفين لأهل البيت ، وبطريقة عدائيّة لكلّ ما لايعلمون، يُحاولون قطع أوصال الكلام الواحد ، وعدم ملاحظة سياقه المتّحد، وينقلون رواية منفصلة عن موضعها المناسب في ذيل الآية الكريمة ، ومن دون ملاحظة لمعنى التأويل وأهدافه ، ويتهجّمون على ذلك الراوي والمؤلّف ، بل على الطائفة كلّها ، بينما لو أنصفوا ، وتأمّلوا ، لوجدوا الأمر كما شرحنا: رواياتٌ منقولةٌ حول النصّ القرآنيّ بغرض تفسيره ، ثمّ رواياتٌ تؤوّلها، كما هو المنقول عن أهل البيت (عليهم السلام).

فالسلفيّة الجامدون، هم الذين تصوّروا أنّ تلك الأحاديث تدلُّ على أنّ الآية الفلانيّة «سقط» منها لفظٌ، أو «ذهبت» منها جملة، أو «ضاع» أو «حذف» أو غير

(الصفحة91)

ذلك من العبارات الدالّة على النقص أو الزيادة!.

وقديماً انطلتْ هذه الشبهةُ على بعض الصحابة والتابعين، فنقلوا ما فهموا، نقلا للحديث بالمعنى، فاختلط الحابل بالنابل.

والناظر من بُعْد يجدُ ـ بكلّ تأكيد ـ أنّ هؤلاء متوهّمون في ما فهموا، ومخطئون فيما حكموا، ومقصّرون في ما كتبوا حول الآيات، فهم الذين يتّهمون القرآن، ويُطلقون عليه لفظ «التحريف» السخيف .

ومن هنا نفهم ما قيل في شأنهم : «أنّهم حرّفوا» أي إنّهم نسبُوا إليه هذه الكلمة النابية، واتّهموه بها زُوراً وبُهتاناً، وليس المرادُ قيامهم بعمليّة التحريف ، فإنّهم أحقرُ من ذلك وأعجزُ ، بعدَ وعد الله تعالى بحفظه، وهذا التعبير كما يقال : إنّ شخصاً فسّقَ فلاناً، بمعنى أنّه نسبَ إليه الفسق، لابمعنى جعله فاسقاً.

ولو دقّقنا النظر لوجدنا وراء مؤامرة اتّهام القرآن الكريم وإلصاق هذه الكلمة به إنّما هم بنو أميّة حكّام الشام، أولئك الذين كانوا يضغطون على الصحابة لتطويعهم وتطبيع مواقفهم معهم إلى حدّ التدجين والتهجين! كما صرّح بذلك أبوالدرداء (فتح الباري 8/707).

ولذلك نجد أصابع الاتّهام في منقولات السلفيّة تُشيرُ إلى أسماء من قبيل عُبيدالله بن زياد - قاتل الحسين السبط(عليه السلام) - والحجّاج الثقفي السفّاك - قاتل حملة القرآن وحفّاظه - أنّهم تدخّلوا في القرآن بالتغيير والتبديل (لاحظ المصاحف للسجستاني) ولا نشكُّ في هذه الدعايات أنّها أمويّة تهدف إلى الحطّ من كرامة القرآن بتوجيه هذا الاتّهام إليه، وزعزعة الثقة بنصّه المقدّس، وترهيب الناس بأسماء هؤلاء القتلة السفّاحين، وإلاّ فمن أينَ لهذه الحُثالات أنْ يتدخّلوا في أمر كتاب الله ويتصرّفوا فيه ؟؟! وتستمرّ الجريمة بتداول هذه الأخبار وتناقلها في الصحاح والمسانيد بالروايات المسندة، ويتبجّح أهل الحديث بروايتها والاستكثار منها!من دون خجل !!

(الصفحة92)

وقد أبان الإمام الحسن السبط الأكبر (عليه السلام) عن هذه الحقيقة في كلام له: ثمّ قالوا «قد ضاع منه قرآنٌ كثيرٌ» بل كذبوا والله، بل هو مجموعٌ محفوظٌ عند أهله(الاحتجاج 2/7)

بينما الشيعة هم نقلة هذا القرآن وحفظته، والمراقبون الأمناء على قراءته وضبطه وإعرابه، كما ذكرنا سابقاً.

هذا هو رأي الشيعة في القرآن وموقفهم من أحاديث الآحاد التي توهمُ خلافاً، وتفنيدهم لمزاعم السلفيّة المعتدين عليه بالتشويش والتهويل .

وقد وافقَ الشيعةَ في أصل فكرة التأويل بعضُ أهل السنّة، فقال: لا يجوز أنْ يُضاف إلى عبدالله بن مسعود أو إلى اُبيّ بن كعب أو زيد أو عثمان، جحدُ آية أو حرف من كتاب الله، أو تغييره أو قراءته على خلاف الوجه المرسوم، والقنوت المروي عن أُبي [سورتا الحفد والخلع] الذي أثبته في مصحفه لم تقم حجّةٌ بأنّه قرآن منزل، بل هو ضرب من الدعاء، وقد روي أنّه أثبته في مصحفه، وهو قد أثبتَ في مصحفه ما ليس بقرآن من دعاء أوتأويل

(البرهان في علوم القرآن للزركشي 2/136).

و حمل الفيض الكاشاني من المفسّرين، والمحدّثين الشيعة، ما ورد بعنوان أنّ القرآن قد غُيّر وبُدّل على: أنّ المراد بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ أي حرّفوا مراده، وغيّروا تفسيره وتأويله، أي حملوه على خلاف ما هو في نفس الأمر، وكذا معنى قولهم:«اُنزلت» أي أنّ المراد الذي نزل به جبرئيل هو كذا، لا ما يُفهم من ظاهره، فليس المراد أنّ المنزل كان بلفظ آخر غير ما هو الموجود في المصحف أو أنّه قد حذف

(علم اليقين 1/780).

ولو تعقّل أهلُ السنّة هذا الحلّ، ووافقواالمسلمين على الالتزام به لم تبقَ مشكلة، ولم نقفْ على بحث اسمه التحريف،ولكنّهم ـ سوى البعض ـ وقفوا بشدّة ضدّ هذاالحلّ، واعتبروه حلاًّ شيعيّاً، ولم يستسيغوه ورفضوه، وقد يعبّر عن الملتزمين به بالباطنيّة، لاعتبارهم المعنى التأويليّ باطناً، ويعدّون ذلك نَبْزاً،وهذا

(الصفحة93)

كلّه تجاوُزٌ على الحقّ،فإنّ التأويل له أصلٌ قرآنيٌّ ونبويٌّ،وقد أكّد عليه أهلُ البيت(عليهم السلام) وأجمعَ عليه الشيعةُ، ووافقَ عليه فضلاءُ العامّة، وذكر الباطن للقرآن في أحاديث كثيرة، وليس عدّهم ذلك نَبْزاً وهجومهم عليه، موجباً لقبحه فضلا عن بطلانه.

وقد تحدّثنا بتفصيل عمّا يرتبط بـالتأويل القرآنيّ في بحث مستقلّ.

ولمّا أنكرَ أهلُ السنّة فكرةَ التأويل، مع رفضهم لظواهر الأخبار من جانب والتزامهم بصحّتها من جانب آخر;اضطروا إلى الالتزام بحلٍّ آخر، هو الحمل على نسخ التلاوة: بمعنى أنّ ما جاء في الأحاديث من كلمات أو جمل أو آيات أو سور، إنّما كانتْ قرآناً، ولكن نُسِختْ تلاوتُها، أي رُفِعتْ قرآنيّتُها، فليستْ قرآناً يُتلى أو يكتب في المصحف، فليس عدم وجودها في القرآن، نقصاً فيه، لعدم كونها فعلاً قرآناً، كما أنّ وجودها في بعض المصاحف ليس زيادةً فيها، لأنّها كانتْ قرآناً مُنزَلا، لكن ارتفعت تلاوتُها، فلا تُقرءُ كقرآن، ولا تُكتب في المصحف، وإنْ بقي حكمُها سارياً ولم ينسخ ؟؟؟

هذا هو رأي أهل الحديث السلفيّة، وقد عدّوا ذلك نوعاً من النسخ الذي جاء في القرآن الذي جاء في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو نُنسها نأتِ بخير منهما أو مثلها) فجعلوا النسخ ـ للتلاوة ـ والإنساء لها، مرتبطانِ بالآية القرآنيّة المنزَلة، وطبّقوا ذلك على الآيات الواردة في الأحاديث، والتي عبّر عنها الصحابةُ بما يدلّ على القرآنيّة، حسب ظاهر الأحاديث، لكنّها في الواقع: منسوخة التلاوة، فلا تكون فيها مصادمة لسلامة القرآن وصيانته، كما ذكرنا.

وقد أكّد الكتّابُ المعاصرون من السلفيّة على هذا الحلّ واعتبروه مخلّصاً لهم من محذور القول بالتحريف، وابتهجوا بمن قال بذلك من الشيعة، أو ظهر منه ذلك، كالسّيد المرتضى الذي عنون في كتاب اُصوله (الذريعة) لباب نسخ التلاوة، أو الفيض الكاشاني المفسّر المحدّث، الذي احتمل ذلك في الآيات

(الصفحة94)

الخبريّة الظنيّة.

ولو كان السلفيّةُ ـ المعاصرون ـ ملتزمين بهذا الحلّ في كلّ ما ورد من الروايات والأحاديث، سواء ما ورد من طرق الشيعة أو السنّة، فهم يحملونها كلّها على نسخ التلاوة الذي يعتبرونه ! لأنتهتْ المشكلة كذلك، ولم يبق اعتراض اسمه التحريف، ولا احتماله ، لكنّهم التزموا بهذا الحلّ في تصحيح أحاديثهم وحلّ المشكلة فيها، وبقوا يعترضون على أحاديث الشيعة ويعتبرونها كفراً وإساءة وتحريفاً! وبقوا يعترضون على قدماء أو متأخّرين من الشيعة ممّن نقلوا تلك الأحاديث، أوعبّروا عن دلالاتها الظاهرة، أو سكتوا عنها، فهاجموهم وهاجموا الطائفة الشيعيّة كلّها عن بكرة أبيهم بتهمة التحريف!.

فلماذا لم يحملوا الأحاديث على نسخ التلاوة أو يحكموا بخطأ اُولئك في فهمهم، وهم ثلّة قليلة، لم يوافقهم على فهمهم جمهورُ المسلمين.

إنّ السلفيّة المعاصرين ـ أصحاب نسخ التلاوة ـ احتكروا هذا الحلّ لأنفسهم ونزّهوا به أحاديثهم ورواتها وجامعيها في الكتب، فأبعدروا الجميع عن شبهة التحريف، ولكنهم عكسوا الأمر مع نفس تلك الأخبار لمّا وردتْ في روايات الشيعة وكتبهم، بل اعتبروهم قائلين بالتحريف، وتهجّموا عليهم إلى حدّ التكفير!

والغريب أنّ السلفيّة غفلوا عن أصحابهم القدماء الحشويّة الظاهريّة، الذين التزموا بشدّة بما تدلّ عليه ظواهرُ الأحاديث، ورفضوا تأويلها، ولم يعترفوا بنسخ التلاوة، بل ناقشوا- هم وكثيرٌ من المتأخّرين والمعاصرين من أهل السنّة - في صحّة نسخ التلاوة، واعتبروه لغواً، فالتزموا بالتالي بصحّة ما ورد من الأحاديث .

ولازمه اعترافهم بظاهر ما فيها، كما هو منهجهم في جعل مجرّد النقل التزاما وقبولاً بل عقيدة!

إلاّ أنّ المنصفين منهم، رفضوا صحّة الأحاديث كلّها، شيعيّها وسنيّها، كما هو الرأي الصائب، بعد عدم إمكان تأويلها!

(الصفحة95)

وقد اعترضوا على نسخ التلاوة بوجوه نلخّصها:

الوجه الأوّل: أنّ نسخ التلاوة، مصطلح جديد، لم يعهد في التراث الإسلاميّ، ولم يجر على لسان أحد من الصحابة أو التابعين، فضلاً عن رفعه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

ولا دليلَ على ذلك من القرآن ولا السنّة، لأنّ كلمة «آية» في قوله تعالى:«ما ننسخ من آية أو ننسها» لا تعني الآية القرآنيّة التي هي كلام الله، بل المراد المعاجز المودعة عند الأنبياء، والتي كانت معهم للدلالة على رسالاتهم.

وكذلك ألفاظ من قبيل «ذهب» أو «سقط» أو «رفع» ممّا استعمل في أحاديث الآيات، ليست دالّة إلاّ على معانيها اللغويّة، وهي تقتضي ثبوت هذه الإضافات الخبريّة، بعنوان النزول والآية والسورة، يعني أنّها قرآنٌ سقط أو رفع أو ذهب،، فيثبتُ قرآنيّها على عكس ما يريد أصحاب نسخ التلاوة، لأنّ هذا يعني إثبات قرآنيّتها قبل النسخ، وإذا لم تثبتْ شرعيّة النسخ فلا بدّ من الحكم ببقاء الآية على قرآنيّتها حتّى يُعلم بارتفاعها، ومع الشكّ تبقى على حالها.

الوجه الثاني: أنّ القرآن كما أنّ أصله يحتاج إلى التواتر في إثباته، كذلك نسخه يحتاج إلى تواتُر برفعه، فهذه الأحاديث كما أنّها لا تدلّ على إثبات القرآنيّة، فليستْ كافيةً في نسخ التلاوة أيضاً، فوجود النسخ في بعض المصاحف لا أثرله، كما أنّ ما دلّ على زيادة بعض ما في المصحف الكريم من السور، كالحمد والمعوّذتين، وكذلك الكلمات والجمل، كما سبق ذكره، لا يمكن الاستناد إليه لنفيها، لأنّها ثبتتْ بالتواتر القطعي، فلا ترتفع بالحديث الظنّيّ.

الوجه الثالث: أنّ أهمّ اعتراض على القول بالتحريف هو سقوط مجموعة كبيرة من الآيات القرآنيّة، وفُقدانها، وهذا يعني ذهاب أحكام ومعارف إلهيّة بقدر تلك الآيات، من دون أن يكون هناك ما يعوّض عنها، لعدم التصريح في شيء من النصوص بالتعويض المذكور.

(الصفحة96)

وهذا الاعتراض لا يندفع بالقول بنسخ التلاوة، حيثُ إنّ الأحاديث تدلّ كما أسلفنا على «سقوط» مجموعة كبيرة من «الآيات» وعدم وجود بديل عنها. وحتّى لو كانت منسوخة التلاوة، ولم تكن فعلاً من القرآن، إلاّ أنّ المفروض نزولها وكونها سابقاً قرآناً ولا وجود لها ولالبديلها، لكن أينَ أحكامها ومعارفها؟

فنظريّة (نسخ التلاوة) تتضمّن الاعتراف بأنّ المحذوفات، كانت قرآناً، وإذا نسخ تلاوتها لم تنسخ أحكامها؟ فأينَ أحكام تلك المجموعة المفقودة ؟

فبهذا تتساوى النتيجة الخطيرة المترتّبة على القول بالتحريف الباطل، والمترتّبة على القول بنسخ التلاوة، من حيث فقدان مجموعة من الأحكام الي كانت في القرآن، فلابدّ أن يكون النسخ المذكور أيضاً باطلا.

الوجه الرابع: أنّ الآية المنسوخ تلاوتها، إذا فرض نزولها أوّلا، وفرض بقاء حكمها أخيراً، كما يزعمُون في آية الرجم

(المحلّى لابن حزم 11/235) وآية الرضاع

(المحلّى 10/14 و 16) وآية صيام ثلاثة أيّام

(اُصول السرخسي 2/80) فما هي الحكمة في رفع تلاوتها؟ مع أنّ الهدف من نزول الآية هو الحكم، والمفروض أنّ النزول قد تحقّق، والحكم باق، فليس هناك أيُّ معنىً في (رفع التلاوة) المزعوم.

وقد عبّر بعضهم عن هذا الاعتراض بأنّ القرآن يُقصد منه إفادة الحكم، فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها، إنّ ذلك غير مفهوم، وأرى أنّه ليس ما يدعو إلى القول به.

ونقل الشيخ علي حسن العريض مفتّش الوعظ بالأزهر الشريف بالقاهرة في كتابه

(فتح المنّان في نسخ القرآن ص223 ـ 230): إنّ الحقّ أنّ هذاالنوع من النسخ (نسخ التلاوة) غير جائز، لأنّ الآثار التي اعتمدوا عليها لا تنهض دليلا لهم، ولأنّه يفتح ثغرةً للطاعنين في كتاب الله تعالى من أعداء الإسلام الذين يتربّصون به الدوائر، وينتهزون الفرصة لهدمه، وتشكيك الناس فيه.

الوجه الخامس: أنّ النصوص المذكورة بما أنّها كانت قرآناً، قد عبّروا عنها

(الصفحة97)

بقولهم: «كتبتْ في المصحف» و«كنّا نقرأ» و«نزلت» و«كان في المصحف» فهذه تقتضي وجودها - سابقاً- في القرآن، وكونها قرآناً منزلا، وكذلك تعبيرهم عنها بأنّها «رفعت»و«اُسقطت»و«ونسيتْ» و«اُخفي من المصحف» أو «ذهبَ منه» وما أشبهَ يدلّ على الرفع بعد الوجود في المصحف.

وبقطع النظر عن مجهوليّة الشخص الرافع والمسقط، حيث لم نجد في مورد واحد نسبة الرفع إلى الله تعالى أو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى يُعتبر الحديث بذلك مرفوعاً متّصلا بالشارع فيكون حجّةً، فليس شيءٌ من الأمرين ثبوت القرآنيّة ورفعها مبتنياً على دليل شرعيّ.

ومع كلّ هذا فلو فرضنا أنّ الحديث يكفي لإثبات القرآنيّة على مباني السلفيّة فوجود «الآية» في القرآن يقتضي اُموراً ثلاثة:

1-القرآنيّة وكونها كلام الله المنزل للإعجاز.

2-والتلاوة ودخولها في المصحف.

3-والحكم الشرعي المدلول بها.

و «نسخ التلاوة» يقتضي رفع الثاني فقطْ، مع بقاء الثالث وهو الحكم، وأمّا القرآنيّة فتبقى غير مبحوثة؟ فهل يعتقد القائلون بنسخ التلاوة بقرآنيّتها، كما هو ظاهرالأحاديث ؟ الدالّ -بالفرض- على كونها آيات بنصوصها المنقولة؟

مع بعدها عن روح القرآن ونَفَس كلام الله، ولا تقرب من روعته ولا بيانه ولا بلاغته ولا إعجازه؟ فكيف يعتقد أنّها كانت قرآناً؟!

ثمّ هي أخبار آحاد لا يثبتُ بها قرآنٌ، حتّى لو كان منسوخَ التلاوة، لأنّ نسخ التلاوة فرعُ كونه قرآناً سابقاً، ولا يثبتُ بهذه الأخبار، كما سبق.

الوجه الأخير: قال ابن الخطيب المصري في

(الفرقان ص157) أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات مع بقاء حكمها فأمرٌ لا يقبله إنسان يحترم نفسه، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل; إذ ما هي الحكمة في نسخ تلاوة آية مع

(الصفحة98)

بقاء حكمها؟ وما الحكمة في صدور قانون واجب التنفيذ، ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟ ثمّ أورد زعمهم أنّ آية (الشيخ والشيخة) من القرآن المنسوخ التلاوة، ويقول: لو كانتْ من القرآن لما أغفلها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولرواها السلفُ الصالح في مصاحفهم، ولو أراد عمر كتابتها ما استطاع منعه إنسان.

وهكذا نجد أنّ الالتجاء في حلّ مشكلة الأحاديث المحتوية على الآيات المزعومة إلى «نسخ التلاوة» لا يجدي شيئاً، لبطلانه وتفاهته، وعدم مقبوليّته، عند علماء أهل السنّة والشيعة

( لاحظ كتاب الهدى إلى دين المصطفى للبلاغي 1/336)

لكنّ المتعصّبين للحديث من السلفيّة، يصرّون على قبوله، بل وينسبونه إلى الشيعة نفاة التحريف فيقول أحدهم: إنّ السّيد الشريف المرتضى ـ لمّا كان ينكر التحريف رأيناه يقرّ بنسخ التلاوة، ففي كتابه

(الذريعة 1/428) قال: فصلٌ في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دونه، ثمّ تكلّم عن ذلك. انتهى نقل السلفي.

لكنّه، بَتَرَ كلام السّيد المرتضى في ذلك الفصل ولم ينقله يتمامه ، ولو نقله لوجد القارىء ضدّ ما يدّعي من الإقرار بنسخ التلاوة، فإنّ السّيد المرتضى قال: ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به، لأنّه من جهة خبر الآحاد، وهو ما روي أنّ من جملة القرآن: (والشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة) فنسخت تلاوة ذلك

(الذريعة 1/429).

هذا كلام المرتضى عن نسخ التلاوة، ومن المعلوم أنّه لم يلتزم ولم يقرّ به، بل صرّح بعدم القطع به لكونه مرويّاً بطرق الآحاد، التي لا توجب علماً ولا عملا، عنده وعند كلّ الشيعة، فلا يقطع بقرآنيّة: (الشيخ والشيخة ...) والحكم بالنسخ فرع القطع بالقرآنيّة.

وهذا بخلاف السلفيّة وأهل الحديث من العامّة، الذين يقطعون بالقرآنيّة، ثمّ

(الصفحة99)

يحكمون بنسخ التلاوة عن ما كان قرآناً!!.

ولو فرضنا ـ تنازلا ـ بصحّة نسخ التلاوة، كما ينسبه السلفيّة إلى المرتضى، وإلى الفيض الكاشاني أو غيرهما، فهلاّ حملوا جميع ما ورد عند المسلمين من الأحاديث المحتملة لهذا، على نسخ التلاوة، ولم يُهاجموا الطوائف الاُخرى بالتحريف! حتّى يسلم القرآن من هذه التهمة، لو كنتم أيّها السلفيّةُ تحبّون الله ورسوله والقرآنَ والإسلام ووحدة المسلمين؟

لكنّ السلفيّة من العامّة يرونَ أنّ نسخ التلاوة حلّ خاصٌ بأحاديثهم المرويّة في كتبهم، دون الأحاديث المرويّة في كتب المسلمين من الطوائف الاُخرى، فهم يحتكرون هذا الحلّ لأنفسهم!، بقطع النظر عن بطلانه بالوجوه السابقة!

ثمّ هم لا يقبلون حلّ التأويل، الذي يتّفق عليه سائر المسلمين، مع أنّ حلّ التأويل له أصلٌ إسلاميٌّ تحدّث عنه القرآنُ والحديث النبويِّ وقَبِلَهُ الأئمّةُ والعلماء والمحقّقون، كما سبق .

فانظرْ أيّها الأخُ المسلم إلى هذا التعنُّت السلفيّ، وإلى هذا الاحتكار، وإلى هذا الاستبداد؟

ولو أنصفوا، لقبلوا من كلّ طائفة عذرهم وتوجيههم، وقبلوا من كلّ أحد تصريحه بالنفي للتحريف عن هذا النصّ المتداول والموجود بين الدفّتين، ولم يفسحوا المجال للدعاوى الباطلة والاتّهامات الزائفة التي يوجّهونها للآخرين، ولا مجالا للأجانب عن هذا الدين، بالاعتراض والاعتداء على كرامة القرآن، ودعوى التحريف فيه، أو الاحتجاج على المسلمين بزعم الاختلاف في نصّه ونسخه وصحّته.

والمسلمُ الذي يؤمن بالله ورسوله وبالقرآن، يعلم أنّ هذا الموجود بين الدفّتين في أيدي المسلمين والمعروف من رواية حفص عن عاصم عن السلمي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) هو كلام الله الكريم، ويعلم ببطلان كلّ ما يخالفه من

(الصفحة100)

الأحاديث المنقولة، والتي توهمُ نقصان شيء أو زيادته، بحرف أو كلمة أو جملة، أو آية أو سورة، أو أكثر، فإنّه كلّه باطل وهراء!!.